جلستُ في ركني المعتاد، هناك في نفس المقهى حذو النافذة المُطلّة على الشارع الرئيسيّ، أُعِدّت قهوتي،أُشعِلتْ سيجارتي ومكثت برهةً من الزمن أراقب عالمي المألوف .
فجأة وصلتني ذبذبات ثورية وصلت لتوها من ما سمي العقل .. قررت تغيير شيئ بداخلي علّ بصمتي تطبع و يذكرها المستقبل المجهول .. أنا مغترب في هذا العالم .. عافت نفسي الحانات و النبيذ، و دفئ راقصة يتبدد مع طلوع شمس اليوم الموالي , هجرني الجميع لكن عندما تهجرك أعضاؤك وتتخلى عنك وهي لحمك ودمك ، عليك ألا تعجب بأن تخلى عنك حبيب أو قريب أو وطن , كـــلّكم خـــائنون .. لن استثني احدا فالانسان بطبعه خــائن .. أنا تغيّرت فحب أكتب عنه ، هو حب لم يعد موجوداً ، وكتاب وزعــت آلاف النسخ منه ، ليس سوى رماد عشق نرصفه في المكتبات .. ذكرت يوما ان قلبي قد خانني عندما فر هاربا لتلك الفتاة و ان بعض الخيانات هي الوفاء بحد ذاته , أي منطق هذا الذي يسمح لشرقي الوقوع في الحب مرتين ؟ أ هذا هو التغيير يا هذا ؟ اني لا اخشى الحب بل أهاب النهايات .. فأنا رجل تعود دائما على فقدان كل ما أحبّه , فكيف احب بلا ألم ؟ و كيف احب بلا ندم ؟ الأجوبة عميـاء .. وحدها الأسئلة ترى .
كنت اقول دائما بأنني ولدت صحفيا بالفطرة لكن ما ذنب صحفي ذهب و لم يعد في وطن همشت فيه السلطة الرابعة ؟ كنا نقول نريد وطنا نموت من اجله , فصار لنا وطن نموت على يد ابناءه . همشت الصحافة و همشت أنا برؤية فتاة اذابت جليد الدموع في عيوني .. كيف لا أخشى حالة من الجمال .. كان يلزمني عمر من البشاعة لبلوغه , سخر القدر مني لحظة رؤيتها و جعلني تائها في ارجاء تفاصيلها لكن كيف لمكان أن يجمع في ظرف أيام الذكرى المؤلمة ثم الآخرى الأكثر جمالا .. اليوم انا وحيد ليس لانني أعيش بلا اصدقاء و أحباب فهذا اعتياد بل هي تلك الاماكن الفارغة في القلوب التي خلفها اخرون .. اعترضتني تلك الفتاة , لم استطع أن أقاوم الوقوف لدى عرشها : أنثى الروح والتاريخ . سحرتني ولا أزال أسأل كيف جمعنا القدر ! اسمها الذي لا يقرأ بل يسمع كموسيـقى تعزف على آلة واحدة من أجل مستمع واحد . عدت الى قهوتي , تركت السكر جانبا و ترشفتها مرّة كما عوّدتني قسوة الحياة .
عزيز : في دهاليز ثورتكم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق